Saturday, June 12, 2010

لافِتة *

لم تخطر في بالي في أي لحظة خلت زيارتها ، أنا حقيقة لا أحب المناطق السهلية المنبسطة والممتدة بريبة وخبث ، حتى عمتي التي تقطنها منذ عشرة أعوامٍ ونيّف انقطعت صلاتي بها بُعيد وفاة والدي ،الذنب ليس ذنبي، على الأقل ليس ذنبي كليّاً ؛ فلقد كانت أشبه بمومياء مصرية وهي تنتظر بسكون ذلك العريس الغامض الذي سينتشلها من براثن العنوسة كما كانت تقول ॥ وذهبت في ذلك اليوم غير مودعة أحداً ، حتى أن أمي قد قالت يومها :"هي بتعرفه من زمان"وأردفت ذلك بعبارتها الشهيرة والمتوارثة عنها :" بحطش بذمتي "॥أمي وأبي و استقلا سلماً سماوياً وذهبا ، وكذا عمتي ذهبت ॥وقد مرت سنين عدّة لم أستعد فيها ذكراهم هكذا مرة واحدة ، حاولت بكل جهدي أن أتعالى على ما سبق، وأشهر وجهي الشاحب لغدي العصي على توقعاتي ، ولكن تجيء تلك اللافتة المعدنية الخضراء لتقض مضجع ذكراي وتعيدني لخارطة انتزعتُ نفسيَ منها انتزاعاً ،..رغم فشلي الذريع في الهندسة الفراغية ، وعيني الهزيلة الا انني أدركتُ لفترة ما بأنها مجرد لافتة خضراء معدنية لا يتجاوز طولها وارتفاعها معاً المترين ، ، وأن ذلك السهم الممتشق طولاً واستقامة لن يشير الى أي اتجاه يهمني ، " جنين" ..سواء أكانتْ من هنا أو من هناك ، لا تعيرني بالا وكذلك أنا لا أجدْ منها وجهة قد تغير من تدرج أيامي البيروقراطي.. كانت ظهيرة صيفيّة ملتهبة تلك التي جاء فيها ذلك الكائن بخوذته الصفراء وقميصه المغبر ، جاء فيها وبنزعة رجولية غرس تلك اللافتة على طرف الشارع ، لم ترق له أي مساحة ، الا الجزء القريب من سور منزلي تحت شجرة الرمان ، شق تلك الأرض اليابسة وبقوة عنجهية راح يضغط حيناً ، وحيناً آخر يمسح قطرات العرق المتصببة على جبهته ، لم تستغرق تلك العملية جزءاً مهملاً من الساعة ، هل أبدو شخصية ثانوية لذلك الحد حتى يُكتَب لي أن تكون العملية التي تغير مسارا رسمته لحياتي ، أن تكون هذه العملية قصيرة الأمد ، ويصعب على أي كاتب ان يرسم فيها قصة بطولية ، ويضمنها ببعض المونولوج والصراع المبطن في ثناياه ..
مضى كل شيء بسلاسة طبيعية ، ولم يطرأ أي تغيير يذكر ، حتى المارة من جانب منزلي لم يلحظوا تلك اللافتة رغم لونها الأخضر الصارخ ،..أما أنا وكأنها حاجة كانت مكبوتة فيّ لممارسة فعلٍ جديد ، بدأت مراقبة الغبار الذي راح يتراكم يوماً تلو الآخر على تلك اللافتة ، ويوماً تلو الآخر صارت " جنين" رماديةً أكثر وأضحى سوادها الممتد عبر لونها الأخضر يتلاشى ، وكأن " جنين" باتت أبعد من ذي قبل ، وكأن أيضاً على مستقلي طريقها تحمل تبعات وأعباء طريق أطول مما كان عليه، أتذكر الآن تلك الليالي التي قضيتها أرتشفُ اليانسون على عتبة منزلي بجانبها ، حدثتها عن أيام المدرسة كيف كان والداي فخوران بكون ابنتهما الوحيدة الأولى على صف ثانوي كل أقرانها فيه صبية ، وعن أمسيات الأعياد التي كنا نمضيها سوية نحن والجيران نتراقص على أوتار عود جارنا أسعد ، عن كيف كُسِر عوده ، عن أول مرة ذهبتُ فيها الى الجامعة ، عن تخرجي ، عن احمد ، عن كيف تزوجنا ، عن رحيله المفاجئ ، أخبرتها أنه سيعود.. هي تعلم ذلك بلا شك ، أخبرتها عن وفاة والداي في ذلك الحادث ، عن فجيعتي بهما ، عن اختفاء الجيران وتحولهم لظلال منكسرة قلما أراها ، واذا رأيتها أغض الطرف عنها ، حدثتها عن وحدتي ، وعن فرحي الدائم بوجودها .. كنا نتسامر ونتسامر حتى يغلبني النعاس ..
في صبيحة أحد الأيام ، بينما كنتُ أعدّ نفسي لنفسي ، بدأ طرق على بابي يعلو ، هرعتُ الى الباب مستغربة فقلما دق أحدٌ هذا الباب ، واليوم ليس بموعد بائع الحليب ، فمن تراه يكون؟ وماذا تراه يودُّ في هذا الصباح من يتيمة الأبوين ، مهجورة الزوج ، تمارس صداقة مع لافتة شارع تشير الى " جنين" .. أتراه أسعد قد اشترى عوداً جديداً وأراد أن يفاجئني صباحاً به ، أم تراها عمتي قد اكتشفتْ فجأة بأن لها ابنة أخ تسكن رغم بعدها عن جنين ، قرب جنين .. أياً كان الطارق فأنا ممتنة له لأنه حرّك في ما حرّك في هذا الصباح .. تسللتُ يدي قبلي الى مقبض الباب و فتحت الباب بسرعة .. اذ به ذلك العامل ذو الخوذة الصفراء ، ..أحسستُ بكومة مشاعر متداخلة ، ولكن الشعور الطاغي كان الامتنان الكلي له ، فهو من أحضر لي تلك الصديقة الجديدة ، وهو الآن من يجدد صباحاتي ، أردتُ أن أضمه بقوة وأنهال عليه بمزيج عبارات الشكر والعرفان .. ولربما دعوته لفنجان قهوة ، أو ضخمت الدعوة لوجبة افطار ، اذا رفض حاولت أن أعوضه بطريقة ما ، لن أعطيه مبلغ من المال فذلك لربما آذى مشاعره ، قد أشتري لأولاده شيئاً ما ، أما اذا كان غير متزوج فتلك قصة أخرى ، وعندي تتمتها ، أدله على جارتنا فتحية ، بنت ناس أوادم ومحترمة للغاية .. ولربما وقتها سكن بجوار منزلي ، ووضع لافتات على جهاته الأربعة ، لافتة الى رام الله ، لافتة الى أريحا وأخرى الى طولكرم ، كم ستكون سعادتي حينها ، وكم سأكون انسانة جديدة بصداقاتي هذه ، سأعود لسابق عهدي .. سأعود لتلك المرأة التي ترى العالم بكل الألوان لا بلون رمادي فقط ،.. ياه ! ،.. سيعود أحمد ، ويراني لم أتغيرْ ويوقن بأني لم أشكْ لحظتة في أنه سيعود ..

-صباح الخير ،॥ آسف على الازعاج ॥أعـ
- صباح النور ، لا ازعاج .. أبداً
- كنتُ اود أن أخبرك عن لافتة....
-
نعم اللافتة ، تلك اللافتة .. !
- نحن نرى بأن تلك اللافتة تكاد تكون غير مرئية ، فأغصان شجرتك تغطي على عبارة " جنين" .. وودنا حل هذه المشكلة بنشر أجزء الغصن المتدلي ناحية الشارع ..هكذا ستحل المشكلة ، ولا أظن بأنك ضد خدمة المصلحة العامة !

كان وقع ما قاله كاعصار رملي راح يضرب بي ، كيف له أن يطلب مني أن أتنازل عن شجرة والدي ، القضية لا تحتمل التجزئة ، اليوم غصن أو غصنين ॥غداً سيقطعون الشجرة بأكملها ، ولربما قد يقتلعون منزلي بأكمله من أجل العامة ، ما بالي أنا والعامة ، لماذا لا يظهرون الا لتعكير صفو حياتي ، ولماذا أنا من عليه أن يفعل شيئاً لهم ، لماذا أنا من يتوجب عليه المفاضلة بين أحب الحبيبين ، صديقتي الجديدة ، وصديقتي القديمة .. لم أعرْ بالاً في أي لحظة للزمن ، فمذ رحل أحمد والساعة متوقفة على الواحدة ، واليوم لا يزال الاثنين .. حين استيقظتُ ولم أجدْه ، .. اليوم يريدون نشر شجرة الرمان ، شجرة الأجراس الحمراء ، شجرة الرمان يا جماعة هذه! ، لماذا هذا الكون مضجر لهذا الحد .. ولماذا حين يريد انتزاع ضجره ينتزع مني من أحب ،.. لن أدعهم يقطعون رمانتي الحبيبة ، لن أدعْهم يفعلون ذلك ..

- كما تشائين ॥
أنا أتذكر فقط ، أتذكر تلك الأيام التي كانت جنين قربي ، أتذكر ذلك جيّداً ، كلما خرجت من بيتي وقرأت لافتة " الطريق مغلق للأشغال العامة " ॥ أتذكر تلك الأيام ، وأبكي على أيام قبلها بكثير ، أيام كانت فيها شجرة رمان تظلل مدخل بيتي ،.. والآن الشمس والعامة باتوا يقتصون مني ما استطاعوا لذلك سبيلاً ..
________________________________
* أقصوصة قصيرة

Friday, March 5, 2010

stages

S1


- وايش ضايل عليكي؟
- باقي القلب.
- - كتير القلب هذا؟
- كتير ، بحجم قبضة اليد بس كبير كتير !
5\3\2010
1:00 pm

S2
كانت أصابعي ترتجف بحرص شديد وهي تمر جيئة وذهاباً على سطوح ذلك " القلب البشري" , كنت مترددة جداً وحذرة أكثر من ذلك الكم من الفرضيات التي ستثقل مراكز الادراك في دماغي، خططت كثيراً لساعات اضافية سأقضيها في اعادة ترتيب أولوياتي تماشياً مع متطلبات المرحلة القادمة ، ولكن أياً من ذلك لم يحصلْ ، ولم يكن ذلك القلب أكثر من كونه مجرد أوردة وشرايين وحجرات أربعة لا تتسع لأقل فرضياتي زخماً ، أومأت بهامتي لـ " انا" ، أرجوها أن لا تسيء الظن بي ، وأن جسماً بحجم قبضة اليد لن يبعدني عني ، آه مني حين لا أسامح ذاتي ، وآه من ذاتي حينما يغض الطرف عن تفاصيلي ورويداً رويداً يغض الطرف عني ..
4\3\2010

S3




أدركُ تمام الادراك أن مساحتي المنطقية الوحيدة في هذه اللحظة وللحظات أخر ى خلت ، هو ذلك المكتب الخشبي الفوضوي والمتناقض لحد كاف لي بجانب كتاب مئيني الصفحات ، شأني شأن 50 مشروع طبيب لعام 2017 ، لأني دائماً كلما قاربت على الوصول ، أرجع خطوة أو اثنتين لجلب شيء ما أضعته ورائي ، ولأن هذا الكتاب أيضاً، لم يستطعْ الاجابة عن أبسط الأسئلة التي طرحتها عليه ، ولم يعدني أصلاً بأنه سيفعل ذلك على الأقل في القريب العاجل أو القريب المتمهل ، ولأني اعتاش على المبررات التي أصوغها لأكثر الاشياء غير المنطقية فتغدو في نظري وفي نظر من أحدثهم موغلة وبشدة في المنطقية ، لذلك لن انتظر لا من شخوص ولا من صفحات كتب ولا من موسيقى تتخل كلمات أغنية ، لن أنتظر من أي منهم الاجابة عن أسئلتي ، الاجابة عن تلك المكناة بــ " أنا" ॥
5\3\2010

S4
The Mobile you are trying to reach is not available at the moment. Plz try again later!
4\3\2010
pm6:30

S5

Sunday, February 28, 2010

يومُ أحدٍ أزرقْ


تجلس المرأة في أغنيتي
تغزل الصوف ،
تصبّ الشاي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد ...
ترتدي الأزرق في يوم الأحد ،
تتسلّى بالمجلات و عادات الشعوب ،
تقرأ الشعر الرومنتيكي ،
تستلقي على الكرسي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام ،
و البحر بعيد .
تسمع الصوت الذي لا تنتظر .
تفتح الباب ،
ترى خطوة إنسان يسافر .
تغلق الباب ،
ترى صورته . تسألها : هل أنتحر ؟
تنتقي موزارت ،
ترتاح مع الأرض السماويّة ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد .
...و التقينا ،
ووضعت البحر في صحن خزف ،
و اختفت أغنيتي
أنت ، لا أغنيتي
و القلب مفتوح على الأيّام ،
و البحر سعيد ॥
محمود درويش

Sunday, February 21, 2010

19

\21
one more step

Sunday, February 14, 2010

Satisfied


"دعيني في عيد الحبّ ،أكرهكِ ،بشيءٍ من الحبّ"

Monday, February 8, 2010

ثقافة

لكمْ يا من تلعقون أصابعكم كلما صافحتم صفحة في كتاب !

عندما نسهب في البحث عن شيء ما ، ونجده .. ننسى في لحظة أنَّا كنا نبحث ، ونضيع هنيهات ساعية ، في فتح هدية القدر هذه ، يمضي الوقت قبل أن ندرك بأن الهدية فارغة ، وأن القدر ما هو الا حصانٌ كُسرتْ ساقه ، فأحيل للتقاعد الاضطراري ..
ترهقني عمليّة تكوين مفاهيم ونسخها وأدلجتها في أطر قابلة للبت على أنها صالحة لي وصالحة لمتطلباتي الآنية ، قد يكون الارهاق شيئاً حتمياً اذا ما انتهى به المطاف الى نتيجة تستحق ولو قليلاً مما بذلناه ، ولكن أن يكونَ " اللاشيء " حليفنا الشخصيّ فهو ما يجعلني عود ثقابٍ مبتل بفعل منخفضٍ غابر ..!
عدّة مشاهد تحاصرني ، تطرق سدادة رأسي وتحاول اخراجي من صمتي لأقول ولو شيئاً لذاتي على الأقل..، بحثي الدؤوب عن منبع قريب للثقافة كان دائماً يواجه الكثير الكثير من الطرق المتعرجة والالتفافات السرابية ، في كل لحظة أخال ذاتي بأني سأحط الرحل لأستريح وأنهل القليل ، يحثني شيء ما على المتابعة ، وكأني ما خُلِقتُ الا لأبحث .. القصة بحد ذاتها ليست بذا التأريق اذا ما نظرنا اليها من منظوريّ الشخصي الأقرب للفرديّة المسوّرة، و لكن لأن ثمة وجوه عدّة ، ثمة بقاع أكثر ، وثمّة بحر في زاوية الوطن هذا ينتظرني ، تجتثني هذه الفكرة مني .. وأكتب ،..
اكتشفتُ بأن ما أبحث عنه ليس الثقافة بكل معانيها ، وخطوطها العريضة والمفصلة أيضاً ، انما ما كان علي البحث عنه ، هو تعريف شاف للـ " الثقافة " ، كان هذا سيعفيني جدّاً من مغبة لقاء " ثقافي" ،.. محفوف بدخان أراجيل ، وبضحكات بروجوزاية ، وعلى هامشها سيتم الحديث عن ما يسببه مطرنا الحبيب ، في أهلنا ..أهل الخيام ،..كان هذا أيضاً سيخفف علي وطأة نصيحة أستاذيّة أبويّة في أن أمتنعَ عن قراءة الكتب اللامنهجية ، حتى أواكب الركب .. :" كنتُ كذلك في سنة أولى طب !" ..كان هذا أيضاً سيساعدني كثيراً في التملص من مواجهة سخيفة على أساس :" هيك يعني ،.. أنتِ بتسمعي اغاني ملتزمة !"، ملتزمة بماذا؟ بالضبط ولماذا ؟، ولماذا تغدو المفاهيم أضيق بكثير ، أضيق من ضيقها المعتاد وأضيق كذلك من جداري الفولاذيّ الملتف حولها ،..تضحكني في زاوية ما مفردة " صغيرة " لأن مخلوقاً أصغرودَّ من بعيد أن أبقى كذلك لأني سئمتُ تطابق شفتي معاً .. وفكرت أن لا ضيرَ في قول شيء لن يغير شيئاً.. واذا آثرتُ أن أبقي على أجزائي معاً ، وأصمدُ أمام محاولات عدّة في جعلي أقول فقط لأسكتهم أُتَهمُ غيابيَّاً وحضوريّاً :" أنتِ علمانيّة ؟" ،.. وعندما أصمتُ أكثر :" أنتِ تؤمنين بضرورة فصل الدولة عن الدين ؟" ... يا قومُ اذا ما صمت أحدهم فهذا لا يعني أبداً بأنه لا يدري ما يدور في أدمغتكم أو أنه لا يفهم لغة تخاطبكم الضحلة ، القضية ليست هكذا ، ولن تكون – معي على الأقل - ..القصة يا قومُ يا كرامُ بعد التحيّة والسلام ،.. أنَّ منهلكم طعمه مر ، ويكاد يكون فاسداً جداً ، وقشرتكم الثقافيّة باتت حرشفية أكثر وأكثر وستنقشر عنكم مع شعاع شمسنا الصباحيّة ، غداً أو بعد غد ..
فرديّة المشاهد كل على حدة قلما كانت تؤثر في ، ولكن هنالك دائماً ما يجعلنا نحزم أمتعتنا معاً ونرميها من أقرب نافذة ، فتتساقط على المارة .كل يحظى بما سيحظى به ، ويبدأ قذفنا بعبارات الجنون والمعتهة المستفحلة .. هنالك دائماً شيء ما يبوتق كل هذه المشاهد معاً في أذهاننا .